logo

هل ضاعت القوامة ؟

هل ضاعت القوامة ؟

سؤال يطرحه الكثير من الشباب على أنفسهم في السنوات الأخيرة بعدما بدأت تتجه الدولة إلى تمكين المرأة ومساواتها بالرجل أمام أجهزة الدولة وتسعى نحو إلغاء أي شرط أو طلب يتطلب حضور ولي أو محرم في كافة أجهزة الدولة ، وتغيير كثير من الأنظمة التي تقف عائقا أمام المرأة ، هنا يطرح السؤال نفسه بقوة هل هناك حرب على قوامة الزوج ومكانة الأب خاصة بعد ظهور أنظمة الحماية وتخصيص أرقام لبلاغات العنف مما اجتاح موجة خوف لدى بعض الشباب من مشروع الزواج خصوصا بعد ظهور خطاب صبياني أهوج مستفز بأنه لم يعد لكم أيها الذكور سلطة وسمعونا صياحكم.

مما أفقد البعض الثقة في المرأة المعاصرة وجعل فكرة العزوف عن الزواج تأتي إلى رأسه وهو حق لاسيما مع الاستفزاز الموجه للرجال والذي تمارسه بعض الفتيات اعتقادا منهن بأنه بسلطة الحكومة تستطيع فعل ما تشاء وكل ما عليها هو أن تتصل برقم هاتفي وكل مشاكلها تحل.

إنهن بفعلهن هذا يستخرجن أسوء ما في الرجال وإن اعتقدن البعض أنه حين تجلس في موقف الضعف تقوم بالاستعطاف وجلب النصوص الدينية التي كانت قبل قليل لا تؤمن بها اعتقاد منهن بأنه بهذا الخطاب تستطيع إخضاع الرجل، بالعكس هم بهذا يضحكن على أنفسهن فالرجال حين يقررون في لحظة التخلي عن المسؤولية.

فالمرأة هي من ستعاني أكثر ومسألة أن المرأة قوية مستقلة هذه كذبة يضحكون بها على أنفسهم ففي هذا العالم القاسي في الخارج هن سيعانين أكثر لأن الحكومة لن تكون موجودة في كل لحظة لحمايتها أو معالجة مشاكلها النفسية أو المالية، فتربية الأطفال إن نجحت بعض الأمهات فليس الكل سينجح خصوصا وأن المرأة هنا عليها أن تجمع بين العمل والتربية لوحدها وهذا القلة جدا من النسوة يستطعن فعله والغالب الأعم سيعانون وسيفشلون في تحقيق الحد الأدنى من التربية الجيدة للأطفال، بل وحتى العمل وهذا كله سيعود على المجتمع بكامله باسوء النتائج فحالات الطلاق ستصل إلى معدلات عالية نسب العنوسة ستزيد ومعدل الخصوبة سيقل ومعدلات الجريمة ستزيد ومشاكل العنف الأسري لن تتوقف وسنسمع عن أشياء لم نسمع عنها من قبل وتعاطي المخدرات والأمراض النفسية، وهذا كله سينعكس على إنتاجية المجتمع والاقتصاد ليس بالضرورة مباشرة لكن بعد عدة سنين ، ويدخل المجتمع في أزمة عميقة من الصعب الخروج منها نتيجة لاختلال الأدوار الاجتماعية الطبيعية وضياع دور الأسرة وقيمها إن المضي في مانحن فيه من تمكين للمرأة بحجة مساواتها مع الرجل ومنحها حقوقها.

وإضعاف دور الرجل في أسرته كزوج وأب بحجة حماية المرأة والطفل وكأن الآباء ليسوا سوى مجموعة مجرمين هذه وحدة من المشاكل لدى صناع القرار فحين كان لا يعبأ تمام لجرائم العنف الأسري حتى تحدث مصيبة ويتفاعل معها المجتمع إلى التدخل في أبسط مشكلة, لاشك أن الولاية المعطاة للرجل في الشريعة كزوج أو أب هي محكومة فالشريعة لم تعطي له سلطة مطلقة دون محاسبة لكنها أيضا جعلت التدخل في حالات معينة حتى أنه مع الوالدين أمر بمعاشرتهم بالمعروف حتى ولو أمرو بالكفر لعظم فضل الوالدين و أهميتهم, الأسرة في الشريعة وثقافتنا الإسلامية هي النواة والمكون الأساسي لها فالأب راعي ومسئول عن راعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها وجاءت أحكام الأسرة في القرآن مفصلة على عكس الكثير من الأحكام التي لم تذكر تفاصيلها كبعض العبادات وما هذا إلا دليل على أهميتها.

ولم يجعل الشارع الحكيم مجالا للاجتهاد فيها، كنصوص الميراث وبيان آداب الدخول للأطفال والمحرمات من النساء وبيان القوامة للرجل ، ونشوز الزوجة ، وغيرها من الأحكام التفصيلية على العكس من الأحكام الأخرى التي ترد مجملة في القرآن وتفصلها السنة مما يشدد على أهمية أحكام الأسرة في الإسلام, وأنها محاطة بعناية إلهية وأن الأسرة هي النواة التي ينطلق منها المجتمع والأمة وهي الحامية بعد الله للمجتمع من ويلات كثيرة بل إن التماسك الأسري والتكافل الاجتماعي يصنع العجائب ويجعل المجتمع يصمد حتى في أصعب الظروف المعيشية ،وتماسك الأسرة هو ما جعل العرب متماسكين في الأعم الأغلب, بالرغم مما مر بهم من مصائب ليست بالقليلة عبر كل سنين الاستعمار والفوضى لكن حين يحل الدمار إلى الأسر وتضعف سلطة الرجل ويختل التوازن الاجتماعي هنا حيث يحدث الموت البطيء وتنقلب السنن بل وهذا مصير تصير إليه البشرية إن لم تتوقف وتعيد الأوضاع الاجتماعية إلى طبيعتها, حيث الرجل هو السيد لا رأسان في المنزل كل يرى أنه هو السيد ، والسفينة يقودها قبطان واحد لا أثنان إذا لو حدث غير ذلك لن تسير السفينة ، وهذه هي سنة الحياة منذ خلق الله آدم على وجه الأرض ، والتي حفظت النسل البشري إلى يومنا هذا.

وهنا يسأل البعض هل ضاعت القوامة؟ أو أن ما يحصل حاليا هو إعادة التوازن للمجتمع وتخلصه من تسلط الرجل وحصول المشاركة بين الرجل والمرأة في المجتمع وليس كما كان في الماضي أن المرأة كانت معطلة ولا يمكن الاستفادة منها كما يجيب المؤيدون لتمكين المرأة, وكأن عمل المرأة في منزلها ورعايتها لأبنائها و زوجها هو أمر لا طائل منه ، في الحقيقة سياسيات التمكين في بعدها الحقيقي هو اقتصادي وجزء منه اجتماعي فإدخال المرأة لسوق العمل بشكل كامل ليس الهدف منه لدى متخذ القرار هو تعزيز الاستقلالية لدى المرأة, وإنما هو الاستفادة من موارد بشرية يراها معطلة ويمكن للسوق الاستفادة منها وتنويع لمصدر الدخل للأسرة ومشاركة لها في البناء لكن المشكلة أن هذه السياسيات المفتوحة التي يراد منها تغير شكل المجتمع وتطويره دون مراعاة لسياق المجتمع الثقافي والديني, ودون محاولة تهيئة للمجتمع لتقبل الوضع الجديد أو دراسته هذا إذا أحسنا الظن وإنما هو سريان في التنفيذ دون نظر لعواقب الأمور ،إذا أن هذه السياسيات جاءت في ظل سياق عالمي يحث المرأة على التمرد ويعتبر الأسرة العادية عدو ويسعى لنهج الفرد الواحد والأسر المثلية ويدعمه تيار محلي, اتخذ شكلا شعبويا مدعوم من الخارج ، فكانت النتائج سيئة من تفكك للأسر وهروب الفتيات وتمرد الزوجات حتى أحيانا دون سبب منطقي أو فعلي كعنف أو غيره وتخلي أمهات عن أبنائهم كله رغبة في عيش الوهم المسمى الاستقلالية والحرية وفي آخرته دمار, هذا ونحن لسنا سوى في البداية والقادم أعظم ونسب الطلاق المتزايدة تؤيد هذا الأمر ، وتؤكد فشل السياسات مبكرا وأننا ذاهبون للهاوية مثلنا مثل الغير وأن الموت البطيء يلحق مجتمعنا مثله مثل المجتمعات الغريبة.

الجواب نستطيع القول أن القوامة مازالت موجودة نوعا ما فمازال الرجال قائمين بمسؤولياتهم ويحاولون الحفاظ عليها لكنها ليست كالسابق ، فإن كانت التصريحات الرسمية مازالت تؤكد أن الرجل هو رب الأسرة وهو المسؤول عنها ومازال العرف الاجتماعي يؤكد على مسؤولية الرجل على أهله, إلا أن السياسيات الحالية بحجة تمكين المرأة أزالت من معظم الأنظمة مصطلح المحرم واشتراط ولي الأمر في أي أمر متعلق بالمرأة ومصطلح المحرم ألغي تماما ولم يعد له وجود وأزيل الدعم النظامي الذي كان للرجل على أهله وأسرته فلم تعد الدولة تتدخل في إجبار الفتاة مثلا في العودة إلى أهلها, أو تسليمها لمحرمها ، بل أنها في بعض الأحيان أعطت ما هو مفترض للرجل للمرأة مثل تسجيل الأولاد ونسبتهم له في الأحوال المدنية التي في كثير من الدول المجاورة تعتبر حق للرجل وهو المفترض ولا تسجل المرأة الأبناء وتنسبهم لأبيهم إلا عبر سلسلة معينة من الإجراءات، وحين يتحدث أحد على أن هذا إضعاف لقوامة الرجل وخلل في الأسرة يأتي الجواب من المسؤولين بأن الأب والزوج مازالت له مسؤوليته وموجودة في الشرع لكن تعديل هذه الأنظمة حدث لوجود خلل فيها ولأن الظروف الحديثة تغيرت وكوننا منظمين لاتفاقيات دولية فهذا سبب أيضا للتغيير, فالتغيير في النظام فقط فالشرع جعل للرجل القوامة فعليه أن يكون رجلا بحق ويكون مسؤولا عن أهله وتمردهم هو مسؤوليته ودلالة على ضعف شخصيته وعدم جدارته بالقوامة فنقول سبحان الله حين يكون الكلام عن الرجل فجأة نقول تحمل المسألة ولكن حين تأتي مسؤولياته الشرعية كالنفقة ورعاية الأبناء, فجأة تتذكره الأنظمة وتبدأ تعاقبه في حال تقصيره وتشنع عليه لا بل وتبدأ الأنظمة تتدخل في تربيته أبنائه وتمنعه حق التأديب الشرعي له بحجة أن أغلب الآباء يتجاوز فوضعوا أنظمة الحماية ومكافحة العنف الذي تضمن حتى ما يسمى العنف النفسي الذي لو صرخ الأب على أبنائه عد تجاوزا, ويحكم عليه بل ويمثل الأب أمام القضاء ويعتذر من أبنه في انقلاب عجيب ويشمل هذا المرأة ، فالأم لم تعد لها القدرة على معاقبة بناتها أو وقف تجاوزات أبنائهم ثم يأتي النظام ويطلب من الأب تحمل المسؤولية وحين ارتكاب الطفل الخطأ يحمله المسؤولية.

كما يقول الشاعر ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل في الماء ، فهم نزعوا من الأسد أسنانه ومخالبة وطلبوا منه الصيد في تخبط و واضح لا تعلم أين ينتهي به المطاف وإلى يريدون الوصول بنا, فحين كانت تنقد المجتمعات الأوربية من التفكك والانحلال وضياع المفهوم الأسري وكثرة الأبناء غير الشرعيين ، ها نحن نلحقهم فمن ضغط على الرجل وتخويفه من الزواج بل والتكاليف العالية الاجتماعية وتهديده إن لم ينفق على أبنائه وتحمليه أخطائهم دون مساعدته واعطائه حقه في التأديب, ومن ثم يأتي من يلوم الشباب عن العزوف عن الزواج وأنهم ليسوا رجال لعدم استعدادهم لتحمل التكاليف ويضعها في السفر أو قيمة سيارة ، حين تحمل الشاب كل المسؤوليات وتعاقبه إن قصر وتهدده بل وتضعف من هيبته وتحرض وتطلب منه أن يكون رجلا ويتزوج ، وكما قيل عش رجبا ترى عجبا, ما يحدث في حقيقته هو حرب على الرجل وإضعاف لقوامته وتدمير للأسرة بمفهومها الشرعي المفترض أن يكون من طاعة الزوجة لزوجها والأبناء لآبائهم فهي حرب حتى وإن صرح المسئول بأنه حريص على تماسك الأسرة واستقرارها.

فنقول القرارات أبدا لا تعكس ما تقول بل تفيد أنها حرب حقيقة والاستمرار في هذا السياسيات سيجنيها المجتمع والدولة من التفكك وزيادة نسبة الجريمة وضعف الأمان بل وحدوث الاختراقات السياسية والخيانات, فعلية لابد من وقف هذه السياسيات أو على الأقل النظر فيها بروية ومراعاة الجوانب الاجتماعية والحفاظ على القيم الأسرية بما يكفل للمجتمع النمو الصحي وتحقق الانسجام دون إثارة الضغائن والمشاكل الاجتماعية نتيجة سياسيات سريعة ومتهورة غير مدروسة.

بقلم: المطيب الحجازي

رابط حساب الكاتب في الأسفل

 

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *